9
U3F1ZWV6ZTM2MzIxNTE4MzA2NjQ1X0ZyZWUyMjkxNDc1NDUwMDc5Mg==

الاسطورة والاديان

حقيقة الاسطورة والاديان




03 الأساطير السّومرية الأكدية الآشورية البابلية أصل قصص التوراة اليهوديّة و الأناجيل المسيحيّة و القصص القرآنيّة ج١

* د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels

 قبل استعراض الديانات اليهودية، المسيحية و الإسلامية تعالوا لنتعرف معا" قليلاً عن أهم الأساطير السومرية-الأكادية التي أخذتها منها الحضارة الآشورية-البابلية و غيرها من الحضارات القديمة و التي تناقلتها فيما بعد كتب التوراة اليهودية و الأناجيل المسيحية و القرآن الإسلاميّ (أي ما يعرف بالكتب السماوية) .. كلٌ أخذ و استقى ما أعجبه و تماشى مع معتقداته و حرّف قليلاً و غيّر بأسماء الشخصيات من الآلهة و (الأنبياء) بما يتناسب مع ثقافته و حضارته ليكون مقنعاً لشعبه و يضمن تصديق و إيمان أكبر عدد ممكن من الأتباع من شعبه و من شعوب الحضارات المُجاورة ...



حوالي فترة 5,000 ق. م. ازدهرت حضارة سومر كأقدم حضارة معروفة في بلاد ما بين النهرين و قد عرف تاريخها من شذرات الألواح الطينينة المدونة باللغة المسمارية التي وصلت إلينا سليمة بأغلبها. ظهر إسم سومر في بداية الألفية الثالثة ق.م. لكن بداية السومريين كانت في الألفية الخامسة ق.م. حيث استقر شعب العبيديين بجنوب العراق و كوّنوا المدن السومرية الرئيسية كأور و نيبور و لارسا و لجاش و كولاب و كيش و إيزين و إريدو و أدب. و قد اختلط العبيديون بأهل بادية بلاد الشام و صحراء شبه الجزيرة العربية عن طريق الهجرات أو شن غارات عليهم، و بعد عام 3,250 ق.م. هاجر إليهم السومريون من شمال شرق بلاد ما بين النهرين في شمال العراق و هؤلاء الوافدون الجدد كانوا يتكلمون لغة ليس لها صلة بأي لغة أخرى كانت معروفة وقتها فقد كانت لغة خاصة بهم (بعض المصادر تذكر أنهم قد أتوا من الهند و هناك مؤشرات كثيرة تدل على ذلك من معتقداتهم و أسمائهم و أسماء آلهتهم) و قد ابتكروا الكتابة على مخطوطات ألواح الطين و بقيت الكتابة السومرية لفترة 2,000 عام لغة الإتصالات بين جميع دول الشرق الأوسط حينها. ازدهرت سومر في المنطقة التي تقع في الجزء الجنوبي (الأسفل) من حوضي نهري دجلة و الفرات و يرجح أن أصول السومريين يعود إلى أهل جنوب حوضي نهري دجلة و الفرات إضافة إلى عدة موجات من هجرات متتابعة جاءت إلى المنطقة من أواسط آسيا. تعود الحضارة السومرية إلى الألف الرابع قبل الميلاد و هي التي أعطت الخط المسماري و طورت منذ الأزمنة السحيقة مبادئ دينية و روحية بقيت سائدة فترة طويلة، كان لها تأثير كبير على الحضارات الآشورية / الكلدانية و البابلية الأكادية و العمورية الآرامية الفينيقية و الكنعانية و المصرية و اليونانية و الرومانية و الفارسية أي تقريباً على جميع حضارات العالم القديم بشكل عام

تذهب الأسطورة السومرية إلى أن الإنسان خلق من الطين الممزوج مع دم الإله، أي أن الطين هو المادة التي خلق منها الإنسان، و يتردد ذلك في الألواح السومرية حين تتحدث عن الموت و تفسره بأنه عودة الطين إلى التراب، و هو ما نجده في الكتاب المقدس بعهديه القديم (التوراة) و الجديد (اﻷناجيل اﻷربعة) و القرآن. إن هذا التصور عن خلق الإنسان مشابه لصنع الأواني الفخارية من الطين، فكما كان الإنسان القديم يصنع الأشياء من الطين كذلك تصور أن (الإله الخالق / الله) قام بخلق الإنسان من الطين مضافاً إليه دم الإله (1) .. إن إسم (آدم) يعني في اللغة السومرية "الإنسان"، و لكنه في اللغة الأكادية يعني "أحمر" و يعني "الأرض" أيضاً، فهو "أدمة" و أدام و "أديم" اﻷرض في اللغة العربية و هو واضح تماما" أنه استمد من أصله في اللغة السومرية لأن السومريين كانوا يعتقدون أن التراب الأحمر الكائن في سهل جبل سهند (جنة عدن / كانت تقع في كردستان في شمال غرب إيران / جنوب شرق تركيا اليوم) هو كان المادة التي صنع أو جبل منها الإنسان. و إذا أخذنا ما جاء في النقوش الكنعانية التي تعود لحضارة العصر البرونزي في مدينة أوغاريت / بلاد الشام، و التي كانت تعبد الإله (إيل أو ئل) و هو إسم سوف نجده يتردد كثيرا" في كتب الديانات اليهودية و المسيحية و في الإسلام أيضاً مثل (إسرائيل أو إسرا إيل / إسرا ئل) و (عزرائيل أو عزرا إيل / عزرا ئل إلخ ...)، فإننا نقرأ في لوح قديم من أوغاريت أن إيل هو "أبو آدم"، أي أن الإله إيل هو أبو البشر و هذا يبين لنا أن أسطورة الخلق لها إمتداد تاريخي يتجاوز الحدود الجغرافية، و يعود إلى الأصل الذي انتشرت منه: من جنة عدن حيث كان يوجد "التراب الأحمر" الذي جاء منه البشر حسب الأسطورة السومرية-الأكادية التي نشأت عند منابع نهري دجلة و الفرات عند (جبل سهند) و هو ما يتردد أيضاً في أسطورة (أتراهاسيس) التي قدم عنها دراسة متميزة الباحثان ولفرد لامبرت و آلان ميلارد عام 1,969 م [انظر كتاب ليجند ل ديفيد رول ص 192 -193](2) .. و هناك ختم أكادي يصور الإله شمش (إله الشمس البابلي أو السيد المسيح كما سنرى فيما بعد) يقطع رقبة إله آخر ربما أتى أيضاً من أسطورة (أتراهاسيس) و التي جاء فيها أن الإله يذبح لكي يقدم دم الحياة من أجل خلق الإنسان و هو ما نجده في ديانات الشرق الأوسط الإبراهيميّة الثلاثة أنها تذكر أن الإنسان خلق من تراب و يعود إلى التراب (لقب رسول الإسلام محمد الحيرة ملك المناذرة إياس بن قبيصة / إلياس / إيليا / عليا / الإمام علي / ذو الفقار هو: أبو تراب و هو مختلف عن محمد البتراء / رحمن اليمامة / مسلمة بن حبيب الحنفي كما سنرى فيما بعد) أو أن الإنسان خلق من "طين" كما جاء في القرآن اﻹسلامي: {* و خلقنا الإنسان من صلصال كالفخار *} و هي فكرة التي اقتبسها مؤلفوا القرآن النساطرة من التوراة حيث نجد في سفر التكوين (3 : 19): {* حتى تعود إلى الأرض لأنك منها أخذت فأنت تراب و إلى التراب تعود *}

ملحمة أتراهاسيس السومرية:

تذهب أسطورة أتراهاسيس Atrahasis إلى أن نامو إلهة المحيط الأول و أم الإله أنكي طلبت من إبنها أنكي أن يخلق الإنسان كي يقوم على خدمة الآلهة:

يا ولدي أنكي إنهض من سريرك و اعمل بحكمة

إخلق (أو إصنع) خدما" من الآلهة ..

فيجمع أنكي جميع الصناع المهرة و يقول:

نعم يا أمي، المخلوق الذي طلبتيه سيخلق

ثم يوجه كلامه إلى الصناع المهرة العاملين في الطين (أو الفخار) قائلاً:

الإحترام له هذا الذي على صورة الآلهة

أخلطوا قلب الطين الذي فوق المياه

أنتم الصناع المهرة ستصنعون الطين

أنتم الذين ستخلقون الأعضاء (أو الأضلاع)

مثل الإله (نينماه) الذي سيعلمكم

أن إلهة الولادة ستساعدكم حين تصنعون مخلوقكم

نعم يا أمي قرري مصيره

نينماه سيباركه

هذا الذي على صورة الآلهة

الإنسان (3)


في هذه الأسطورة نجد أن الإنسان قد صنع من الطين و أنه صنع على هيئة و صورة الآلهة، و هو ما جاء في التوراة اليهودية في سفر التكوين (1 : 26 و 27): {* و قال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا، و ليتسلط على سمك البحر * فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر * ذكراً و أنثى خلقهم و باركهم الله} و جاء في التوراة أيضاً أن الإنسان خلق ليفلح الأرض و يقوم على خدمة جنة عدن، و معروف أن الإله السومري الطيب (آنكي / آن-كي) إله الخير و الحكمة و المياه هو نفسه الإله المسؤول عن خلق الإنسان (4).. و نلاحظ أن إسم الإله (نينماه) يتكون من كلمتين تستخدمان في اللغتين الفارسية و الكردية في وقتنا الحاضر، فإن كلمة (نين ، ننه ، ننكه ، نانه أو نانا) تعني (الأم الكبيرة أو الجدة الكبيرة المحترمة) و هي كلمة ما زالت مستخدمة في العراق و إيران و حتى في مصر، أما كلمة (ماه) فتعني (القمر) و ما زالت أيضا" مستخدمة في الوقت الحاضر (هل يكون تعبير يا أماه أي "يا أم ماه" في اللغة العربية يعني يا أم القمر؟) فيكون معنى (نين ماه أو ننه ماه أو نانه ماه) بمعنى (الإله القمر العظيم) أو بشكل أدق (الإلهة القمرة العظيمة) و هنا نلاحظ أن (نينماه) ربما هو المشار إليها ب(إلهة الولادة) في هذه الأسطورة و كما بات معروفاً لنا اليوم أن الإله القمر (الله معبودنا الحالي اليوم) كان أكبر آلهة الشرق الأوسط و رب اﻷرباب و كبير أصنام الكعبة و نجد رسومه على كثير من جدران المعابد و تماثيله في الأختام و الألواح السومرية بكثرة و قد انتقلت عبادة الإله القمر إلى أغلب شعوب الشرق الأوسط و حوض البحر اﻷبيض المتوسط من بعدهم كما رأينا سابقاً

أسطورة التكوين عند السومرين:

تقول الأسطورة: في البدء كانت الإلهة (نمـو) لا أحد معها: {* قل هو الله أحد * لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا" أحد *} (سورة الصمد - قرآن) أي كانت المياه الأولى تعم العالم و هي التي انبثق عنها كل شيء: {* و جعلنا من الماء كُلَّ شيءٍ حي *} (قرآن) و قد أنجبت الآلهة (نمـو) بتلقيح ذاتي، مثلما أنجبت الإلهة السورية عشتار إبنها الإله بعل و الإلهة المصرية إيزيس إبنها الإله حورس و مريم العذراء إبنها المسيح أيضا" "بتلقيح ذاتي"، أنجبت إبناً و بنتاً: اﻹبن الأول كان (آن) إله السماء المُذكّر و اﻹبنة الثانية كانت (كـي) آلهة الأرض المُؤنّثة و كانا مُلتصقين مع بعضهما (مثل رمز ين يانغ عند الصينيين) و غير منفصلين عن أمهما (نمـو) [هذه المنظومة المعتقدية الثلاثية الآلهة نراها تستمر إلى يومنا هذا في المنظومة المعتقدية في الديانة المسيحية حيث يصبح إيل / إيلو / إيلي / الله إله القمر رب مملكة السماء عوضا" عن الإله الغاضب المنتقم الجبار إله الشر و الشيطان إله الطوفان و إفناء الإنسان و المعاقب في يوم القيامة و الحساب آن / آنو و يصبح المسيح الفادي المخلص البعل الخضر إله الشمس و الخصب و الزراعة و الرعد و البرق و المطر و كل الظواهر الأرضية الخصبة و الخيرة عوضا" عن الإله الطيب كي إله الخير و الحكمة و خلق الإنسان و تصبح مريم العذراء / الروح القدس / الإلهة عشتار عوضا" عن الإلهة الأولى نمو إلهة المياه الأولى التي انبثق عنها كل شيء حي] غير أن (آن) تزوج (كـي) فأنجبا بكرهما (إنليل) إله الهواء و العواصف الذي كان فيما بينهما في مساحة ضيقة لا تسمح له بالحركة و هو الشاب النشيط الذي لم يطق ذلك السجن فقام بقوته الخارقة بإبعاد أبيه (آن) عن أمه (كـي) فرفع (آن) و كوّن السماء و بسط الثانية (كـي) - كما وردت لاحقا" في القرآن اﻹسلامي: {* و هو الذي رفع السّماء و بسط الأرض *} - فصارت أرضاً و مضى يرفع بينهما و لكن في ظلام دامس، ثم أنجبا إبناً هو (نـانـا) إله القمر الذي بدّد الظلام في السماء و أنار الأرض، و (نـانـا) بدوره أنجب (أوتـو) إله الشمس الذي فاق أباه في الضياء بعد ذلك قام (إنليل) مع بقية الآلهة بخلق مظاهر الحياة على الأرض. و لم يكن الخلق مهمة تولّاها إله واحد في سومر فها هو (آن-كي) إله المياه العذبة و إله الحكمة يتابع ما بدأه إله الهواء (إنليل) إلى سومر فيتوقف و يعين لتلك البلاد مصائرها؛ يقول الإله آن-كي: "يا سومر لتتضاعف إسطبلاتك و تتكاثر أغنامك .. ثم يقوم (آن-كي) بملئ دجلة و الفرات بماء نقي و يخلق فيها السمك و على شاطئهما ينثر القصب ثم يوكَل بهما الإله (أنبيلو) ثم يلتفت إلى البحر فينظم شؤونه و يوكّل به إلى إلهة إسمها (سيرارا) ثم إلى الرياح و يوكل بها إلى إله إسمه (أشكور) ثم ينظّم من خلاله الأمطار و يلتفت إلى شؤون الزراعة و ما يتصل بها من أدوات حيث خلق النير و المحراث، و يوكل إلى الإله (أنكمدو) القنوات و السواقي ثم يقيم إله للآجر و يعين الإله (شداما) للإشراف على أعمال البناء ثم يملأ السهول بالأعشاب و المراعي و ينشر فيها القطعان و يعين لأمورها الإله (سوموقان) ثم يملأ الحظائر بالمنتجات الحيوانية و يعيّن عليها الإله الراعي (دموموزي) [و من هنا أتت صفات "الأنبياء" التوراتيين داوود و موسى و يسوع الناصري و محمد البتراء جميعهم كانوا رعيان غنم فالنبي هو الراعي الصالح]، غير أن الآلهة الذين كانوا منذ البدء يقومون بكل الأعمال التي كانت تقيت أودهم و تحفظ حياتهم تعبوا، فراحوا يشتكون ل(آن-كي) الحكيم و هو المضطجع بعيداً في الأغوار المائية حيث لم يسمع شكواهم فمضوا إلى(نمو) إله المياه البدئية التي مضت إليه قائلة": إنهض من مضجعك و اصنع أمراً حكيماً، إجعل للآلهة خدماً يصنعون لهم معاشهم!! فدعا آن-كي الصُّناع الإلهيين المهرة و قال لأمه (نمو): إن الكائنات التي ارتأيت خلقها ستظهر للوجود و لسوف نعلق عليها صورة الآلهة، إمزجي حفنة طين {* و خلقنا الإنسان من طين *} (قرآن) من فوق مياه الأعماق و سيقوم الصُّناع الإلهيون المهرة بعجن الطين ثم كوّني أنتِ له الأعضاء و ستعمل معك ننماخ أو أو نن ماخ أو نانه ماخ (الأرض الأم) يداً بيد و تقف إلى جانبك ربّات الولادة عند التكوين و لسوف تقدّرين للمولود الجديد يا أماه مصيره و تعلّق (ننماخ) عليه صورة الآلهة إنه "الإنسان"


بعد الإنتهاء من عناء الخلق يخلد اﻹله (آن-كي) للراحة و السكينة و يشرع في بناء بيت له في الأعماق المائية و يبدو إلهاً للأعماق بشكل عام أكثر منه إلهاً للمياه العذبة الباطنية. إذن هناَ نتعرف على أن الإله (إنليل) إله الهواء و العواصف عند السومريين هو أبو اﻹله (إيل) أو أبو (الله) أي أبو (إله القمر نانا) و هو إبن إله السماء (آن أو آنو) و إلهة الأرض (كي) و الذين هما إبن و بنت الإلهة الأولى (نمو) التي هي إلهة الماء جدّة (الله). خطوات أو مراحل الخلق هذه نراها في التوراة اليهودية: إن الرب خلق الأرض في ستّة أيّام و (استراح) في اليوم السّابع الذي هو يوم السبت (السبت أو السبث أي السبات / النوم في اللغة العبريّة). في اللغة العربية نرى أن الأيّام مرقمّة و مُعَرّفة بأرقامها الصحيحة إلّا يوم الجمعة فهو إسم شاذ و خارج عن التسلسل الرقمي و يجب أن يكون اليوم السّادس أو حسب ما أقترح تسميته يوم (السُّديس): الأحد، الإثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، السُّديس (اليوم السّادس)، ثم السُّبيع (اليوم السّابع) يوم السبت الذي استراح فيه الرب من عناء الخلق!

من أين أتى مفهوم الجنّة؟! أين تقع جنة عدن؟! أسطورة أنميركار (إنمير رو كار) السومرية:

حسبما جاء في أسطورة أنميركار، أن الإنسان في قديم الزمان كان يعيش في وادي الباين (Al Pine) أي في وادي الصنوبر (كلمة الصّنوبر في اللغة اﻹنجليزية هي Pine) في جبال زاغروس، فتعلّم و فهم و انتقل من حياة الصيد إلى حياة الزراعة و الأسرة، و بدأ بصناعة الأدوات البسيطة من الصخور البركانية، و أخذ يُدجّن الحيوانات مثل البقر و الغنم و الماعز و الكلاب و الحمير و الأحصنة. بين تلك الجبال البركانية بدأت الجنة بالظهور، و حسب فهم الإنسان القديم أن الله خلقه في هذه الجنة. نلاحظ في كتاب التوراة أن الآلهة (آلهة السماء و الأرض) يهبطون من عليائهم ليتحدّثوا مع الإنسان (الذي خلقوه) و هذه الأحاديث أو الإتصالات الإلهية / البشرية تأخذ أشكالاً مختلفة. كانت جبال زاغروس منطقة براكين و نيران و زلازل، يكثر فيها البرق و الرعد و الرياح و العواصف (لذلك نرى أن الإله يتكلّم بصوت الرّعد الذي يهزّ الأرض) و من هذه المنطقة في جبال زاغروس انتقل الإنسان إلى العصر الحجري الحديث ثم اتجه نحو الشرق و إلى الجنوب من خلال الممرات الجبلية (بالمناسبة الدراسات الحديثة تقترح أن الإنسان المتطور نشأ و تطور من مرحلة ما قبل الإنسان الحالي في قارة أفريقيا ثم انتشر خارجها بعد ذلك مهاجرا" من أفريقيا في هجرة جماعية تمت منذ حوالي 80 ل 40 ألف سنة قبل الميلاد إلى جميع أصقاع الأرض مخالفة" بذلك تخيلات الأسطورة و ما كنا نظن أننا كنا نعلمه علم اليقين سابقا")، ثم استطاع أن ينتقل إلى العصر البرونزي حيث عرف استخدام النحاس و تصنيعه

و من أجل تتبع رحلتهم إلى الجنوب و من ثم إلى وسط و جنوب العراق لا بأس هنا من عرض مسيرتهم، فإن مجموعة من البشر قد تكون متكوّنة من بضع مئات، كانت تعيش على ضفاف بحيرة أورميا، في تلك المنطقة حيث تشرق الشمس على الوادي من جهة الشرق، فهي حسب الأسطورة (أرض شروق الشمس) فتنير قمة الجبل الشاهق الذي يُشرِف على السهل، و في السهل سكن الإنسان في دلتا نهر كان يشقُّ الوادي و يصب في البحيرة، هذا المكان كان يسمى المكان المسيّج بالجبال (السياج أو الستائر أو البرادي) و منه أتى الإسم الفارسي / الكردي (باردِه Pardeh) و الذي يعني (الستارة) أي (برداية / برادي بالعربية)، و حين تبنّى اليونانيون الديانة المسيحية نقلوا هذا الإسم إلى (بارادايس Paradise) و هو تحوير للتسمية الفارسية / الكردية للمنطقة المُسوّرة بالجبال، أي (المسوّرة بالستائر)، و التي تعرف بإسمها (برده ميدان Pardeh Meidan) أي (ميدان أو ساحة الجنّة) فالبشر الأوائل الذين سكنوا تلك المناطق لم يطلقوا عليها إسم (جنّة عدن) و إنما إسم (أدن Aden) و التي تشكل الجنة (البستان) الجزء الشرقي منها فقط (لاحظوا إسم مدينة أدنة أو أضنة السورية التي تقع في جنوب تركيا حاليا و التي أتت من إسم الإله أدوناي Adoni أو أدونيس Adonis الذي بدوره أتى إسمه من أدن فهو كان إله أدن أو إله الجنة) و كان الإسم القديم الذي أطلقه السومريون على واديهم هو (دلمون أو تلمون) بمعنى (أرض الحياة) و هو المكان الذي يعتقد السومريون أنه مكان آلهتهم، فهو بيت الإله (آن-كي)، و بيت إلهة الجبال (نين هور ساغ) و هي أم جميع الأحياء و قد تجلّت في أسماء مختلفة مثل (حواء، إيف أو إيفا، إنانا، عشتار، عشتروت، إيزيس) أما الجهة الشمالية للوادي (جنة عدن) فترتفع إلى ممر جبلي يؤدي إلى سهل زراعي خصيب عُرِف في التوراة بإسم (أرض نود)، و أن الحدود الشمالية للوادي يحدُّها جبل تغطّي قمته الثلوج يبلغ ارتفاعه 3,000 متر فوق سطح البحر و تقع هناك حالياً مدينة معروفة إسمها (نوغده)

إن الجبل المذكور الذي تغطي قمته الثلوج كان محط أنظار الإنسان القديم في تلك المنطقة، فلم تكن الوسائل المتاحة له حينذاك تمكنه من الصعود إلى قمة الجبل المغطاة بالثلوج صيفا" أو شتاء"، فكان يظن أنها متصلة بالسماء و ذلك بسبب تداخل لون الغيوم مع الثلوج، و ظل الإنسان القديم يظن أن هذا الجبل الذي يتصل بالسماء هو مكان جلوس الإله، أو موطن الإله، لذلك كان يتجه إليه متضرعا" رافعا" رأسه و يديه إليه طالبا" منه الرحمة حين تبرق السماء و ترعد. و من آيات ذلك أنه حين انتقل من موطنه الأول و نزح إلى الجنوب و الشرق و الغرب أخذ يعيد تشكيل ذلك الجبل الأبيض حسب إمكاناته المعمارية، فأنشأ المعابد المشابهة للجبل و أشهرها (الزقورة) و من أقدم الزقورات و أشهرها تلك الشاخصة حتى اليوم في (إيلام) في جوغة زنبيل و جنوب العراق (أور) و المشيدة على شكل جبل. و أشهر بناء قديم على شاكلة الجبل هو (إيوان كسرى أو إيوان خسرو أي طاق كسرى) في المدينة التاريخية (تسيفون / طيسفون / ثقيف) عاصمة الفرس قديما" التي أتى منها الحجاج بن يوسف الثقفي و اسمها حالياً (المدائن أو سلمان باك)، و يذكر المؤرخون أن (إيوان كسرى) كان أبيض اللون و كان يسمى (القصر الأبيض) لأنه كان مكسوا" بالجص الأبيض، و (كسرى) هو الملك (كي خسرو) الذي يعود إليه أصل الكورد و الذي تحول إسمه في اللغة العربية إلى (كسرى) و إسمه الحقيقي في السجلات الفارسية (كي خسرو) و كلمة (كي) في السومرية تعني (سيد الأرض او المالك) و لا زالت مستخدمة في اللغة الكردية بنفس المعنى حتى الوقت الحاضر و من أشهر تلك الأسماء أيضاً "كي قباد" أي (سيد القرية أو كبير القرية) في الكردية و ما زال يسمى في اللغة الفارسية "كي خُدا" أي (سيد القرية أو رب / مالك الأرض) و هناك أيضاً المسجد أو المقام الشهير (تاج محل) في الهند الذي شيد على غرار جبل زاغروس الواقعة في بلاد كردستان في جنوب شرق تركيا فهو أبيض اللون أيضاً و كذلك كانت المعابد الشهيرة تشيد كالجبل الشاهق المغطى بالثلوج: (جبل سهند)

في محاولة لتحليل إسم (إنميركار) الذي ورد في الأسطورة المعروفة بإسمه و التي تحدثنا عنها توا" نود أن نبين أن (إنميروكار) في اللغة السومرية تقابل (الصياد) حسب ديفيد رول، ص 206، و أن (نمرو أو نمرود) هو (الصياد العظيم أو الصياد الكبير)، و استناداً إلى قائمة الملوك التي عثر عليها في (نيبور) و نشرت من قبل (أرنو بويبل Arno Poebel) في عام 1,914 م يقدم فيها الإسم التالي: (En-me-er-ru-kar) لذلك يجب تصحيح إسم (إنميركار) الى (إنمير رو كار)، و استناداً إلى ذلك سيكون الإسم (إن مير رو الصياد) و هو الذي تحول إلى (نمرو الصياد) و الذي أصبح فيما بعد (نمرود الصياد) في الكتاب المقدس (ديفيد رول ص 206). إن كلمة (كار) السومرية تدل في الأساس على العمل أو الحرفة أو المهنة أو الصنعة (شيخ الكار بالعربية) و هي ما زالت تستخدم في اللغات الفارسية و الكردية و العربية بمعنى العمل (الكار / الصنعة)، و حين تضاف لها لواحق أو سوابق تصبح لها معاني جديدة فإذا أضفنا لها (كري) في أولها تصبح (كري كار أو كريكار) بمعنى (عامل) و إذا أضفنا لها (كم) تصبح (كم كار) أي (قليل الإنتاج)، و إذا أضفنا لاحقة لها مثل (وان) تصبح (كاروان) بمعنى قافلة (كارافان و هو إسم القافلة في اللغة اﻹنجليزية Caravan)، و إذا أضفنا إليها (آسته) تصبح (كاراسته) أي (ألواح خشبية للبناء أو مواد أساسية لعمل ما) مثل (كراس في اللغة العربية)، و الكثير من المعاني الأخرى التي يمكن الرجوع إليها في قاموس اللغة الفارسية و الكردية و تحت مادة (كار) أما إسم الآلهة (نين هور ساغ) فنرى أنه من الكلمات السومرية التي ما زالت مستخدمة حتى اليوم في اللغة الفارسية و الكردية بنفس المعنى، فحسب الأسطورة السومرية أن (نين هور ساغ) هي (محظية الجبل أو إلهة الجبل أو ملكة الجبل) و نعرف أن كلمة (نين / نينا / نانا) تعني (الأم الكبيرة أو الأم العظيمة) كما رأينا منذ قليل و هي ما زالت مستخدمة في اللغة الفارسية و الكردية بصيغتها هذه فيقال (نانه) للجدة أو الأم الكبيرة و كلمة (هور) ما زالت مستخدمة في الفارسية و الكردية و بمعنى (غيوم) و هي التي كان الإنسان السومري يعتقد أنها كانت و رأس الجبل متداخلتان لأنه لم يكن يستطيع أن يرى قمة الجبل الشاهقة التي كانت تختفي بين الغيوم، أما كلمة (ساغ) السومرية و التي تعني الرأس أو الجبل فما زالت مستخدمة في اللغة الفارسية و الكردية بصيغة (شاخ) و تعني (قمة الجبل أو الجبل نفسه) و في الجولان السوري المحتل نجد (جبل الشاخ أو جبل الشيخ) المغطى بالثلوج، و كذلك كلمة (سه ر - سارة) بمعنى (رأس) أيضاً و من الواضح أن (سه ر) و (ساغ) هما كلمتين متماثلتين بسبب تغير نطق حرف الراء أحياناً إلى حرف الغين فيكون معنى الإسم السومري (نين هور ساغ) حرفيا" هو (الأم العظيمة لجبل الغيوم) أي (إلهة الجبل الشامخ أو إلهة الجبل المقدس أو إلهة الجبل العظيم) فجميع هذه الصفات هي معاني للإسم السومري إستناداً إلى اللغة الفارسية و الكردية. يبقى أن نشير إلى أن (جبل سهند) هو جبل بركاني يقع في منطقة كردستان شمال غرب إيران على مسافة 60 كم شرق بحيرة أورميا و هو جبل شاهق الإرتفاع يبلغ إرتفاع قمته 3,707 متراً فوق سطح البحر و يعد أعلى جبل في سلسلة الجبال الواقعة في منطقة آذربيجان (من هنا أتى أصل الكورد / الأكراد المتحدرين أصلا من الفرس). أما زقورة جوغا زنبيل (في الفارسية و الكردية تلفظ: جغا زنبيل) فهي معبد تاريخي قديم يقع حوالي 45 كم جنوب مدينة (سوسة) عاصمة عيلام (أو إيلام) و قد شيد هذا المجمع الديني حوالي سنة 3,250 قبل الميلاد من قبل الملك (أونتاش نابيرشا) من أجل عبادة الإله (أنشوشيناك) و في هذه الزقورة يوجد قصر الملك و العديد من المعابد الصغيرة و المقبرة الملكية التي تحوي خمسة قبور ملكية و تعد زقورة جوغا زنبيل أفضل نموذج موجود في العالم لهذا النوع من الأبنية (الزقورات)

المصادر و المراجع:

د. مؤيد عبد الستار: أسطورة الخلق السومرية

(1) دافيد رول في كتابه ليجيند ص 139 ,David Rohl , Legend, London 1998

(2) كتاب الآلهة لجيرمي بلاك ص 57, Jeremy Black and Anthony Green, Gods, Demons and Symbols of Ancient Mesopotamia, London 1992

(3) ديفيد رول في كتابه أعلاه ص 194

(4) ديفيد رول في كتابه أعلاه ص 195

(5) ديفيد رول في كتابه أعلاه ص 434

(6) ديفيد رول في كتابه أعلاه ص 436
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة